كيف سقط نظام حكم الإخوان وفشل في مصر
كيف قلبت الدولة العميقة الأوضاع رأسـاً على عـقب
تسلمت جماعة الإخوان الحكم في مصر في 2012 بعد انتخابات ماراتونية تمكنوا من خلالها الانتصار على الدولة العميقة من خلال تعديل قانون الانتخابات في مجلس الشعب قبل حله .
عندما تولوا زمام حكم دولة مؤسساتية مثل مصر حدث تناقض بين مبادئهم التنظيمية والحفاظ على استقرار دولاب الحكم في دولة عمرها أكثر من سبعة آلاف عام . لا شك أن المهمة كانت ثقيلة والمسؤولية أكبر من قدرات رجل مثل محمد مرسي جاء إلى الحكم مصادفة بديلا للمهندس خيرت الشاطر بعد أن اصطدم بعثرات قانونية منعته من ترشيح نفسه رئيسا للجمهورية. واستند اختيار الجماعة لمرسي إلى أن طبيعة تكوين شخصيته تجعله لا يفكر يوما في التمرد أو الانفراد بالقرار . ولكن يعتبر هذا الاختيار الغريب أحد الأسباب التي أسقطت حكم "الإخوان" . إذ لم يكن لديه خبرة مسبقة بمهام الرجل الأول في الدولة . ما جعله يبدو مهزوزا وغير قادر على ملء مساحة هذا المنصب الرفيع . خاصة في أيامه الأولى، وفي الوقت نفسه كان محاطا ببطانة جميعها من مكتب الإرشاد . ما جعل الكتاب والمراقبين يطلقون على حقبة حكم "الإخوان" لمصر فترة "حكم المرشد" . نسبة إلى المرشد العام لجماعة "الإخوان" محمد بديع الذي كان ينظر إلى محمد مرسي على أنه تابع وليس متبوعاً.
تسلم الرئاسة وترك خلفه ادوات الدولة العميقة متغلغلة في مؤسسات الدولة
يتفق المحللين أنه من بين أكبر اسباب سرعة سقوط جماعة الاخوان هو تركهم لاذناب الدولة العميقة خلف ظهورهم بدون تطهير شامل لمؤسسات الدولة عبر جملة من القرارات التي تركت ثغرات استغلتها العميقة جيدا .. بعدما ظن الإخوان أنهم بتسلمهم لمؤسسة الرئاسة قد تمكنوا من مقاليد الحكم . وقام مرسي بعزل عدد كبير من ضباط الجيش والشرطة . فضلا عن تغيير قادة المجلس العسكري واختيار السيسي وزيرا للدفاع ( هنا السيسي لن يرفض الهدايا طبعا ) بعد ثناء أحد قيادات الإخوان عليه . ثم إقالة النائب العام بموجب الإعلان الدستوري المثير للجدل في ديسمبر 2012 . وتعيين نائب عام من قضاة تيار الاستقلال ( طلع من اذناب العميقة ) كما واكبت تلك التغييرات تعيين المستشار هشام جنينة رئيسا للجهاز المركزي للمحاسبات . وتعيين رؤساء جدد للمخابرات والرقابة الإدارية والبنك المركزي . ( يعني تم تغيير فروع و مقرات و ترك الاصل متغلغل في عمق المؤسسات ) . لم يسقط حكم الرئيس مرسي نتيجة سلسلةٍ من الأخطاء السياسية الجسيمة وحسب . بل أيضا نتيجة سقطات للسياسة الخارجية من بينها طرد السفير السوري ايام الازمة ضد نظام بشار الاسد وهنا سقط مرسي في قرار تابع لفكر الجماعة عوض قرار للسياسة الخارجية للدولة التي تفرق بين دولة سورية الشقيقة بمؤسساتها و بين نظام سلطة بشار الاسد . ليس هذا فقط بل تم عقد مؤتمر عالمي يجمع كل الجماعات و التيارات التي تنشط في سوريا ضد النظام في ستاد القاهرة الدولي و هنا فتح مرسي على مصر جبهة دولية ضد حلفاء سوريا كان في غنى عنها عوض التركيز على تجفيف منابع تواجد شبكة الكيان الموازي في مؤسسات الدولة.
يسأل الناس عن أسرار فشل جماعة الإخوان فى حكم مصر . والحقيقة أن ذلك تم عبر سلسلة من الأخطاء الإستراتيجية الفادحة . فقد وقعت جماعة الإخوان فى جملة من الأخطاء الإستراتيجية أدت إلى ما آلت إليه حالتها اليوم من التمزق والتفرق والتشتت والسجون ومجموعة متلاحقة من الهزائم . فسنن الله لا تحابى أحدا ولا تجامله . فمن أخذ بأسباب النصر انتصر حتى لو لم يكن مسلما ومن أخذ بأسباب الهزيمة انهزم حتى ولو كان مسلما أو مؤمنا.
ويمكن تلخيص هذه الأخطاء الإستراتيجية فى النقاط الآتية :
أولا: نسيان الجماعة للقاعدة الذهبية الإستراتيجية التى تقول «لا تستطيع أى جماعة أو تنظيم مهما كانت قوتها أن تبتلع دولة . ولكن يمكن للدولة أن تبتلع أى جماعة وتهضمها «وعندما تحاول أى جماعة ابتلاع أى دولة ففى العادة يحدث لها انسداد معوى . وهذا ما حدث للإخوان حينما حاولوا ابتلاع الدولة المصرية . و هذا ماحدث عندنا بعدما حاولت مافيا لوبيات أولغارشيا المال الفاسد إبتلاع الدولة . لهذا لم تنجح الجماعة في ابتلاع مؤسسات مصر ولم تستطع إدارة الدولة.
ثانيا: عدم قدرة جماعة الإخوان على الانتقال من مرحلة الجماعة وفقهها بعد تسلمها للسلطة فى مصر واستحواذها على معظم السلطات الأخرى التشريعية والتنفيذية . فللجماعات فقهها وفكرها الخاص وللدول فقهها و نظامها و هيكلتها الخاصة ، وكلاهما يختلف عن الآخر جذريا. وقد اعتاد رجالات الجماعة على فكر وفقه وطريقة إدارات الجماعات، وهى فى الأصل جماعات معارضة لم تجرب يوما فقه الدولة وطريقة إدارتها، وانتقال الإنسان من فقه الجماعة إلى فقه الدولة بعد أن قضى معظم عمره وهو بين أحضان الجماعات صعب وشاق وعسير.
ثالثا : لذلك كان الانتقال صعبا، وقامت الجماعة بإدارة الدولة بفكر وفقه وطريقة الجماعة، فضاع الاثنان بعدما حاولت الجماعة أن تدير الدولة لا عن طريق مؤسساتها السيادية المعروفة ولكن عن طريق مكتب الارشاد فحدث الازدواج الذى تعانى منه إيران الآن بين سلطة المرشد والرئيس، والجيش والحرس الثورى، والمؤسسات الإيرانية الرسمية وبين الميليشيات المسلحة التابعة للإمبراطورية فى كل مكان، وخطاب الدولة وخطاب الميليشيات التابعة للإمبراطورية العشوائى الفوضوى.
رابعا : عدم القدرة على الانتقال من ضيق التنظيم إلى سعة الدولة، ومن سعة الدولة إلى رحابة الإقليم ثم العالم ثم تطوير الاقتصاد ، فقد أخطأت الجماعة بدورانها المستمر حول التنظيم والجماعة حتى بعد الوصول إلى حكم الدولة، وهذا أضاع الدولة والجماعة معا. بسبب الفوضى في التسيير عبر التركيز على المعارضة و عمليات حشد الجماهير في الشوارع و رفع اللافتات و ترديد الشعارات و التصادم مع قوات الامن يرجع إلى أن الفوضى عقيدة قطبية (نسبة إلى سيد قطب) وهي راسخة في فكر "الإخوان" منذ عقود .
خامسا : صك شعار «الشرعية أو الدماء» وهو أخطر شعار أضر بالجماعة والوطن معا، فضاعت شرعية الإخوان فى الحكم وأريقت الدماء من أبناء الوطن جميعا، فالحكم والمناصب لا تستحق أن تبذل من أجلها الدماء التى هى أعظم ما فى الوجود. وقد أدى عدم الاستنان بسنة الحسين بن علي رائد الصلح والعفو الذى تنازل عن الخلافة حقنا للدماء وجمعا للشمل إلى كل الكوارث التى لحقت بالإخوان والوطن.
سادسا : رهان الإخوان الخاسر على الحشود والمليونيات وما يحدث فيها من خطابات عاطفية وحماسية وتهييج للمشاعر وخلط للحقيقة بالخيال ودغدغة المشاعر، وعدم رهانهم على تطهير مؤسسات الدولة السيادية ومحاولة احتوائها وكسبها وجذبها إلى صفهم، ولذلك نجحت هذه المؤسسات فى البقاء والاستمرار كما نجحت فى إزاحة الإخوان.
سابعا : خطاب الجماعة يقوم فى الأصل والأساس على الولاء والبراء الدينى والتوافق العقائدى والمذهبى وهو يختلف عن خطاب الدولة، الذى يبنى على فقه مؤسساتي وولاء للوطن .. و لهذا كانت خسارتهم للفرصة التاريخية أجمل من حلم، وجاء السقوط أقسى من كابوس عليهم.
ثامنا : بعد كل هاته السقطات و فتح الثغرات خلفهم و ترك شبكة الدولة الموازية في عمق مؤسسات الدولة وراء ظهورهم .. كل هاته الهدايا لن ترفضها العميقة التي كان التحرك لها عبر سلسلة من القرارات و تحريك القنوات الاعلامية ضد نظام مرسي و سبقت كل هذا الاجراء تمهيد مهم في عمليات حشد الجماهير و اذكر منها .. قطع الكهرباء على مدن كبرى . السيولة المالية . قطع الماء . حملة استفزازات للمواطنين عبر الولاة و رؤساء البلديات .. قرارات تغضب الشعب . ازمة الوقود . ازمة الخبز . ازمة الحليب . اضرابات في قطاع الصحة . قطاع التربية . عمال السكك الحديدية . اغراق الاحياء الشعبية بجميع سموم الحبوب المهلوسة . تحرك و تزايد نشاط مافيا السرقة نهارا في كبرى شوارع القاهرة و الاسكندرية و الاسماعيلية .. تزايد الجرائم بعد خروج كبار رؤوس المافيا من السجون . الشحن الاعلامي + تحريك المواقع الالكترونية + صفحات التواصل الاجتماعي ترك مرسي عاجز على تطهير مؤسسات الدولة بعدما تجاوزته الاحداث و صار التيار عنيف و عالي جدا و كل الطرق كانت تؤدي الى خروج الشعب للشارع و هو ماحدث بخروج الملايين مطالبين برحيل مرسي و نظامه .
لهذا لو تطرح السؤال حاليا كيف سقط الاخوان سيجيبك مواطن عادي ان السيسي عمل انقلاب مباشرة على مرسي و نظامه و هذا ما يتم الترويج له . مع ان الواقع يقول ان الدولة العميقة تحركت بعدما شعرت بهدوء و اطمئنان و سهولة في اعادة بعث نشاط الخلايا النائمة في مؤسسات الدولة من جديد . لهذا ترديد الاخوان ان السيسي جاء وانقلب على مرسي هكذا بدون اسباب هو خطأ اخر ترتكبه الجماعة بسياسة الهروب الى الامام و عدم اعترافهم بالاخطاء السابقة و يعالجونها بترديد خطأ اخر استراتيجي ويوضح انهم لم يستخلصوا من دروس الماضي .
بقلم زكي أيوب